سورة العنكبوت - تفسير تفسير النسفي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (العنكبوت)


        


{وَمَا هذه الحياة الدنيا إِلاَّ لَهْوٌ وَلَعِبٌ} أي وما هي لسرعة زوالها عن أهلها وموتهم عنها إلا كما يلعب الصبيان ساعة ثم يتفرقون، وفيه ازدراء بالدنيا وتصغير لأمرها وكيف لا يصغرها وهي لاتزن عنده جناح بعوضة! واللهو ما يتلذذ به الإنسان فيلهيه ساعة ثم ينقضي {وَإِنَّ الدار الآخرة لَهِىَ الحيوان} أي الحياة أي ليس فيها إلا حياة مستمرة دائمة لا موت فيها فكأنها في ذاتها حياة. والحيوان مصدر حي وقياسه حييان فقلبت الياء الثانية واواً ولم يقل (لهي الحياة) لما في بناء فعلان من معنى الحركة والاضطراب، والحياة حركة والموت سكون، فمجيئه على بناء دال على معنى الحركة مبالغة في معنى الحياة، ويوقف على {الحيوان} لأن التقدير {لَوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ} حقيقة الدارين لما اختاروا اللهو الفاني على الحيوان الباقي، ولو وصل لصار وصف الحيوان معلقاً بشرط علمهم ذلك وليس كذلك.
{فَإِذَا رَكِبُواْ فِى الفلك} هو متصل بمحذوف دل عليه ما وصفهم به وشرح من أمرهم معناه: هم على ما وصفوا به من الشرك والعناد فإذا ركبوا في الفلك {دَعَوُاْ الله مُخْلِصِينَ لَهُ الدين} كائنين في صورة من يخلص الدين لله من المؤمنين حيث لا يذكرون إلا الله ولا يدعون معه إلاهاً آخر {فَلَمَّا نَجَّاهُمْ إِلَى البر} وأمنوا {إِذَا هُمْ يُشْرِكُونَ} عادوا إلى حال الشرك {لِيَكْفُرُواْ بِمَآ ءاتيناهم} من النعمة. قيل: هي لام كي وكذا في {وَلِيَتَمَتَّعُواْ} فيمن قرأها بالكسر أي لكي يكفروا وكي يتمتعوا، والمعنى يعودون إلى شركهم ليكونوا بالعود إلى شركهم كافرين بنعمة النجاة قاصدين التمتيع بها والتلذذ لا غير على خلاف عادة المؤمنين المخلصين على الحقيقة فإنهم يشكرون نعمة الله إذا أنجاهم، ويجعلون نعمة النجاة ذريعة إلى ازدياد الطاعة لا إلى التلذذ والتمتع، وعلى هذا لا وقف على {يشركون}. ومن جعله لام الأمر متثبتاً بقراءة ابن كثير وحمزة وعلي {وليتمتعوا} بسكون اللام على وجه التهديد كقوله: {فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] وتحقيقه في أصول الفقه يقف عليه {فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ} سوء تدبيرهم عند تدميرهم.


{أَوَلَمْ يَرَوْاْ} أي أهل مكة {إِنَّا جَعَلْنَا} بلدهم {حَرَماً} ممنوعاً مصوناً {آمناً} يأمن داخله {وَيُتَخَطَّفُ الناس مِنْ حَوْلِهِمْ} يستلبون قتلاً وسبياً {أفبالباطل يُؤْمِنُونَ} أي أبالشيطان والأصنام {وَبِنِعْمَةِ الله يَكْفُرُونَ} أي بمحمد عليه السلام والإسلام {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افترى عَلَى الله كَذِباً} بأن جعل له شريكاً {أَوْ كَذَّبَ بالحق} بنبوة محمد عليه السلام والكتاب {لَمَّا جَاءهُ} أي لم يتلعثموا في تكذيبه حين سمعوه {أَلَيْسَ فِى جَهَنَّمَ مَثْوًى للكافرين} هذا تقرير لثوائهم في جهنم لأن همزة الإنكار إذا أدخلت على النفي صار إيجاباً يعني ألا يثوون فيها وقد افتروا مثل هذا التكذيب على الله وكذبوا بالحق مثل هذا التكذيب؟ أو ألم يصح عندهم أن في جهنم مثوى للكافرين حين اجترؤوا مثل هذه الجراءة؟ وذكر المثوى في مقابلة {لنبوئنهم} يؤيد قراءة الثاني {والذين جاهدوا} أطلق المجاهدة ولم يقيدها بمفعول ليتناول كل ما تجب مجاهدته من النفس والشيطان وأعداء الدين {فِينَا} في حقنا ومن أجلنا ولوجهنا خالصاً {لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا} {سبلنا} أبو عمرو أي لنزيدنهم هداية إلى سبل الخير وتوفيقاً. وعن الداراني: والذين جاهدوا فيما علموا لنهدينهم إلى ما لم يعلموا فقد قيل: من عمل بما علم وفق لما لا يعلم. وقيل: إن الذي نرى من جهلنا بما لا نعلم إنما هو لتقصيرنا فيما نعلم. وعن فضيل: والذين جاهدوا في طلب العلم لنهدينهم سبل العمل به. وعن سهل: والذين جاهدوا في إقامة السنة لنهدينهم سبل الجنة. وعن ابن عطاء: جاهدوا في رضانا لنهدينهم الوصول إلى محل الرضوان. وعن ابن عباس: جاهدوا في طاعتنا لنهدينهم سبل ثوابنا. وعن الجنيد: جاهدوا في التوبة لنهدينهم سبل الإخلاص، أو جاهدوا في خدمتنا لنفتحن عليهم سبل المناجاة معنا والأنس بنا، أو جاهدوا في طلبنا تحرياً لرضانا لنهدينهم سبل الوصول إلينا. {وَإِنَّ الله لَمَعَ المحسنين} بالنصرة والمعونة في الدنيا وبالثواب والمغفرة في العقبى.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8